“كنت أعتقد أني شخصية هادئة، حتى امتلكت طفلاً.”

“كنت أخطط أن أبتسم دومًا في وجه طفلي رقيق القسمات، حتى امتلكت طفلاً.”

“كنت أحلم دومًا بأن أصير أمًا، حتى امتلكت طفلاً.”

كثيرة هي الأحلام التي تنسجها الأمهات قبل الإنجاب، وفي تلك اللحظة التي تجد فيها الأم نفسها وحيدة بين طفلين يصرخان، تنسى كل شيء، وتتمحور أحلامها في تلك اللحظة حول العثور على وسيلة لإسكاتهم، فتصرخ وربما تبكي.

(الأمومة تخرج أجمل ما في المرأة، وأسوأ ما فيها)) كما تقول إحدى الأمهات.)

صراخ، فإحباط، فصراخ. دائرة مغلقة من الصراخ والإحباط يمر بها الكثير من الآباء. فدعونا نتناول تلك المشكلة، مشكلة فقدان الأعصاب – أسبابها ونتائجها- ونحاول اكتشاف بعض الحلول لها.

(أطفالي كثيرو الجدل، والتعصب، والشجار، وتجاهل الأوامر)، تلك هي الأسباب في نظر الكثير من الآباء التي قد تدفعهم للصراخ في أبنائهم وفقدان السيطرة على أعصابهم. التركيز هنا دائمًا يكون على الأبناء مع إخراج الآباء أنفسهم دائمًا من هذا السيناريو، وكأن الأخطاء كلها يتحملها الأطفال.

سنحاول التركيز هنا على بعض أخطاء الآباء، والتي تسبب في فقدانهم السيطرة على أنفسهم:

1- الردود الجاهزة

(لا)؛ رد جاهز دائمًا ما يرد على لسان الآباء دون تفكير منطقي وإشراك الطفل في معرفة العواقب والمساوئ، لا يقتنع الطفل، يتخذ موقفًا دفاعيًّا مطالبًا بحقه الوجودي، يلح في السؤال والبكاء، تغضب الأم، فتبدأ في الصراخ.

حاولوا استخدام نعم، فهي تحل الكثير من المشاكل، (ن- ع- م) ثلاثة حروف بمقدورها تغيير عائلات، وإيجاد حضن تقدير دافئ صادق لا يعوض من طفلكم، (الحضن أفضل من التَهَدُّجٌ والصراخ).

2- التحكم في التفاصيل

محاولة فرض التحكم والسيطرة على جميع سلوكيات الطفل، لن تغير شيئًا في سلوكه، بل ستزيد من فرص إصابتك بارتفاع ضغط الدم.

هل إغراق الطفل الحمام بالماء المتطاير أثناء جلسة استجمامه في حوض الاستحمام يحمل الكثير من الضرر على أخلاق الطفل وعلى نظام الأسرة ونظام العالم؟ لا، فلم الغضب الزائد إذن؟ “move on”.


اترك بعض المسؤولية للعالم والحياة، وهما كفيلان بتحملها.

3- الخطط كبيرة، وائم توقعاتك

في كثير من الأحيان لا تكون المشكلة في عدم تنفيذ الطفل للأوامر المعطاة له، بل تكمن المشكلة في الأوامر ذاتها. فقد تتجاوز الخطط والأوامر سن الطفل ورغباته: طفلك ذو الثلاث سنوات ليست لديه القدرة على ترتيب صفوف الكتب على الرف، بل يمكنه بعثرتها وإلقاءها على الأرض، ليس لأنه لا يخاف منك ولا يلتزم بالتعليمات، بل فقط لأنه ذو ثلاث سنوات.


الطبيعة أقوى من البيئة.

تلك بعض الأسباب التي قد تدفع الآباء إلى الصراخ، ولكن قبل الوقوع في ذلك على الآباء التفكير في تأثير الصراخ على علاقتهم بأبنائهم:

4- أنت النموذج

عندما تستمع إلى طفلك وهو يصرخ في أخته الصغرى لأول مرة، تيقن حينها بأن ما تقوله لأبنائك وما يسمعونه منك هو ما سيقال على لسانهم مستقبلاً.


أترضى أن يصرخ فيك ابنك؟

5- فقدان هيبتك

عندما تصرخ في أطفالك فأنت تفقد جزءًا كبيرًا من سيطرتك عليهم، لا تستطيع أن تطلب الاحترام من أبنائك وأنت دائم الصراخ والتوبيخ لهم.


هدوئك وتحكمك في أعصابك يضمنا لك الاحترام الدائم.

6- بناء شخصية جبانة

لا تجعل أبناءك يفعلون الصواب خوفًا منك، بل يفعلونه لأن لديهم القدرة على اتخاذ القرار الصحيح في شتى المواقف.
أنا آسفة لأني صرخت فيك عندما سكبت الماء على الهاتف.
أنا لا أحب ذلك ماما، أنت ترعبينني.
أنا فعلاً لا أريد بث الرعب والخوف فيك، فقدت عقلي للحظات، ولم يكن المفروض أن أقع في ذلك.
أنت تخيفينني دائمًا، هذا يحدث طوال الوقت، أرجوك لا تخيفنني ثانية بعد الآن.

الخوف ينشئ أطفالاً بلا رأي ولا قيمة.

إذا أردت التخلص نهائيًّا من مشكلة الصراخ فإليك بعض خطوات تساعدك على ذلك

1- اقرأي كثيرًا في أساليب التربية قبل الإنجاب، لا تعتمدي على تكرار طريقة آبائك في تربيتك، فهي غالبًا ما ستفشل. ابحثي عن أسلوبك الخاص في التربية بما يتواءم مع ثقافتك وبيئتك وأفكار العالم المتجدد من حولك.

يمكنك الاطلاع على الرابط من هنا.

كلما علا صوتك ليستمع لك أطفالك، كلما قل إنصاتهم لك.

2- اجتمعي بأمهات أخريات، حدثيهن عن مشكلاتك واستمعي إلى خبراتهن وطريقتهن لتجاوز الصراخ.


يستمع الطفل إلى صوتك عندما تصرخ، ولكنه يستمع إلى كلماتك كلما تكلمت بهدوء.

3- ضعي قواعدك الخاصة في التربية مبكرًا، اصنعي قائمة صغيرة بها، ثم قومي بتعليقها على الثلاجة. عندما ينسى أحد قاعدة من القواعد حتى ولو كان الوالد، شاوري بإصبعك على القائمة وقولي له: لقد تجاوزت القاعدة رقم (…).


التربية لا تتوقف حتى الموت.

4- اعثري على تعويذة الهدوء الخاصة بك، والتي تمكنك عند ترديدها من السيطرة على غضبك:

(أنا الكبيرة)، (الأمومة شيء عظيم)، (فعلت بأمي مثلما يفعل أبنائي بي)، (من الجميل أن أكون أمًا مسئولة عن طفل، فهناك الكثير ممن حرموا من ذلك).

5- ابحثي عن طرق أخرى تنفثي بها عن غضبك، ولا تعاقبي أبدًا أبدًا عندما تكوني غاضبة: تحدثي بالهاتف، اختلي بنفسك لحظات في غرفتك، استلقي على سريك، توضئي وصلي، استمعي لبعض الموسيقى. اهدأي وخذي نفسًا عميقًا ثم ابدأي في التصرف.


ارتفاع ضغط دمك لن يفيدك أنت ولا أطفالك.

6- اقتربي أكثر من أبنائك، فبعض الأبناء لا يستطيعون الانتباه أو التركيز حتى يضعوا اللعبة من أيديهم، ولا ينتبهوا بالأساس إلى التعليمات التي توجه لأشقائهم، حاولي أن تحصلي على تواصل العين بالعين معهم أولاً قبل الحديث، وطالما لا ترينهم فافترضي دائمًا أنهم لا يسمعونك ولا يتجاهلونك.


المدرس يتحكم بعشرات الطلبة، ولكن فور خروجه من الفصل يتغير كل شيء.

7- الشخص الوحيد الذي بإمكانك التحكم فيه في هذا العالم هو نفسك، فليس باستطاعتك التحكم بطفلك رغمًا عنه. تحكمي فيه ولكن امنحيه الشعور بحرية الاختيار والسيطرة على مجريات حياته، ولكن كيف ذلك؟ أعطي لطفلك مجموعة من الاختيارات التي تناسبك جميعها، واطلبي منه الاختيار بينها.


تستطيع أن تغسل أسنانك بنفسك أو أنا أغسلها لك.

ولكن إذا رفض الاختيار أعلميه بإنك ستتخذين أنت القرار بدلاً منه، ثم قومي بفعل ما تشائين.


ضعي جدولاً لنشاطات أطفالك كل يوم بما يناسبك ويناسبهم، مع الأخذ باقتراحاتهم قدر المستطاع، واجعليهم يعتادون على التنفيذ يوميًّا لتتخلصي من كثرة الجدال.

8- البكاء ليس شيئًا بسيطًا، عندما تقولي لأحدهم لا تبك فسيصمت ويبتسم. لا بالطبع، حاولي معه خدعة أخرى:

أثناء البكاء اهمسي له بكلمات هادئة دافئة لا يستطيع سماعها وهو يبكي، فسيدفعه الفضول إلى التوقف فورًا.


البيت ليس منشأة عسكرية يحكمه التعامل الميري بين أمر واستجابة فورية دون مناقشة.

9- عندما تريدين الاختلاء قليلاً بنفسك للهدوء أو لإنجاز عمل ما، عليك أن تعلمي أن طفلك يحتاج دومًا إلى الشعور بالأمان وتفقد مصادر الحماية والحب من حوله. ولذا، فقبل اختلائك بنفسك اقضي مع طفلك بعض الوقت، احكي له قصة، العبي معه لعبة, وأعدك أن يتركك بعدها فترة تنجزين خلالها ما تريدين.


أنت تصرخين في أوقات كثيرة ليس خوفًا على طفلك من الفشل، بل خوفًا على نفسك أنت من الفشل. كنت تحلمين أن تصبحي أمًا مثالية، والآن لا تستطيعين التحكم في أي شيء.

10- لا تكرري الطلب قط على طفلك، ولا تتنازلي عنه قط حتى ينفذ، قومي بمعاقبته بعد أول طلب بعد تحذيره (وسنتحدث في المقال القادم عن طريقة معاقبة الطفل دون ضرب أو صراخ).


من الأفضل ألا تعطي أوامر على أن تعطيها ولا تطاع.

11- إذا أفسد طفلك شيئًا فلا تصرخي فيه وأنت تفكرين في تكلفة أو مدة إصلاح ما أتلفه، اهدأي وفكري بأن هناك حلاً واشركي طفلك معك في التفكير وتحمل المسئولية، كأن يساهم مثلاً بجزء من مصروفه في تكلفة الإصلاح.

تقول إحدى الأمهات:

“مللت من كثرة صراخي وفقداني لأعصابي، فقررت أن آخذ تعهد أمام زوجي بالالتزام بالهدوء وعدم الصراخ لمدة أربعة أسابيع، في أول يوم كان ذلك صعبًا جدًا جدًا جدًا فحاول الأطفال استثارة غضبي بشتى الطرق، لم أصرخ لم أغضب لم أتضايق لم يعلُ صوتي، كان ذلك الالتزام موضوعًا أمام عيني، استغرب الأولاد من ذلك جدًا. وبدلاً من الصراخ فيهم طلبت منهم الاقتراب مني أخذتهم في حضني، وطلبت منهم الحديث عما يريدون. وبعد أيام قلائل من ذلك فوجئت بتغير دراماتيكي في سلوكهم، هدوء ومرح وسعادة، قدموا إلي ليسألوني عما إذا كان باستطاعتهم المساعدة في شيء، لم أصدق نفسي.”

وفي النهاية، ادع ربك أن يرزقك الهدوء والسكينة والصبر وعدم الغضب وتحمل مسئوليات أسرتك حتى النهاية.


0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -