أكد العالم المصري بوكالة ناسا للفضاء، الدكتور عصام حجي، أن إصرار النظام الحالي والرئاسة المصرية على الاستمرار فى خدعة "جهاز الجيش الذي قيل إنه سيشفي من فيروس سي والإيدز"، وعدم الاعتذار عنها، ينم عن عدم اهتمام بصحة المصريين، معتبرا عدم الاعتذار فيما يخص صحة المصريين جريمة، وفق وصفه.
وقال حجي، الذي شغل منصب المستشار العلمي للرئيس المؤقت عدلي منصور
-الذي عينه العسكر بعد انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013- إنه كان يشعر فى بعض الحالات، وهو في قصر "الاتحادية" (مقر الحكم في مصر) بأنه أمام كائنات فضائية من ذلك النوع الذى نشاهده فى أفلام الخيال العلمى.

وأضاف: "لم أكن أصدق أن هؤلاء جزء من صناعة القرار فى مصر".

وحول الجهاز قال: "لم يكن هناك اختراع، ولا جهاز من الأساس لننتظر النتائج، إنما كانت خديعة كبرى، وجهلا يندى له الجبين".

وأضاف حجي -في حوار مع صحيفة "المصري اليوم" الأحد- أن الجهاز أظهر كيفية تعامل دولة بقامة مصر، مع العلم، وكيف أنها استهترت به لدرجة جعلت من ملابسات الإعلان عن هذا الجهاز، وتصديره على أنه أبو الاختراعات العلمية أكبر فضيحة تمر على مصر.

فضيحة الرئيس ووزرائه

وأضاف حجي: "القصة ليست قصة جهاز، واختراع كاذب، لكن المعنى الأكبر هو ما كشفه لنا الإعلان عن هذا الجهاز من استهانة واستهتار وازدراء للعلم بل وللمواطن المصري، فالمشهد كان كاشفا على كل المستويات، وأظهر حجم العطب الذى يصيب العقول، والمؤسسات".

واستطرد: "المشكلة لا تكمن فى وعد المصريين بتقديم العلاج الشافي لهم بالكذب والخداع، والتلاعب بمشاعر ملايين المرضى التواقين لأي بارقة أمل، وعدم دفاع الدولة عن كرامة المصريين، إنما الفضيحة أن يشاهد رئيس الجمهورية ووزراء الدولة رجلا يعبث بأحلام المصريين فى الشفاء، ويستغل ثقة مؤسسات الدولة ليبيع لهم الوهم".

وتابع: "الفضيحة الأكبر هي الدفاع المستميت عن الجهاز من قبل عدد من الإعلاميين، وتسويقه على أنه أبو الاختراعات، والمخلص من الآلام فى مشاركة حقيقية من قبل هذه المنابر الإعلامية فى إهانة المصريين، والتلاعب بهم".

وأضاف: "أما الفضيحة الأخطر على الإطلاق، التى تنبئ عن تدني مستوى العلم والعلماء فى مصر، فهي دفاع بعض العلماء عن هذا الجهاز، في فضيحة وجريمة علمية، هي الأكبر من نوعها على الإطلاق".

وقال إن هؤلاء العلماء أسماء كبيرة جدا فى المجال العلمي والأكاديمي، باعتبارهم رؤساء جامعات ورؤساء أقسام، لذا لم أبالغ عندما سميتها "فضيحة فى الوسط العلمي".

وكشف عن أنهم كانوا يريدون مجاملة القوات المسلحة، والتقرب من المؤسسة العسكرية؛ بتأييد هذه الخرافات، وكان يجب إقالة كل قيادات الجامعات الذين أيدوا هذا الاختراع، فكيف لأستاذ جامعي أيد اختراع عبدالعاطي أن يعلم، ويدرس فى الجامعة؟ وكيف يكون قدوة لطلابه؟

واسترسل: "هذا ليس رأيي الشخصي.. إنما باعتباري مستشار الرئيس للشؤون العلمية شكلت لجنة متخصصة، واستشرت عددا من الخبراء والعلماء في الداخل والخارج، وأخذت رأيهم بشكل رسمي، ونظرنا في براءة الاختراع التي قدمها عبد العاطي، بل وأرسلنا فى طلب تقرير لجنة سويسرا التي أرسل لها براءة الاختراع، وكانت المفاجأة أن تقريرها نص على أن مقدم براءة الاختراع ليس له الحد الأدنى من التقنيات العلمية، وقد رُفضت براءة الاختراع".

وتابع: "لم يكن رأيي سياسيا إنما رأي علمي، ولم أصدر تصريحي إلا بعد ثالث مؤتمر صحفي لفريق الجهاز، بل وبعد حصولي على التقارير العلمية كافة بشأن تقييمه".

علماء نافقوا القوات المسلحة

ونفى حجي في حواره مع "المصري اليوم" أن يكون انتقاده للجهاز موجها للقوات المسلحة، متسائلا: هل القوات المسلحة هي التي استفادت من اختراع عبد العاطي، أم أن عبد العاطي هو الذي استفاد من انتمائه لمؤسسة عريقة مثل القوات المسلحة، بل واستغل، وخان هذه الثقة الموضوعة فيه؟

وفسر الهجوم الشديد عليه، بأن الذين هاجموه "كان لهم دور فى إظهار هذا الجهاز على أنه اختراع، واتخذوا منه وسيلة للتقرب من المؤسسة العسكرية دون النظر إلى صورة البلد".

وقال: "بالتالي كان موقفي كاشفا لهم، وكان يمكن أن أسكت، فهو أمر مريح للغاية، وأجنب نفسي المتاعب والهجوم، لكن هذا ليس من أخلاقي، فلدينا أكثر من 12 مليون مريض بفيروس سي، وقد وعدت الناس ألا أكون جزءا من المتاجرة بآلامهم".

ومضى في الحديث: "كنت متيقنا من الهجوم علي، بل وكنت أعلم أنني بهذا التصريح قد لا أكمل عملي كمستشار للرئيس (عدلي منصور)، لكن أي عالم عندما يُخير بين العلم والسياسة يختار العلم، وليس السياسة، وأنا دوري أن أظهر الحقائق للرئيس، والمسؤولين، وليس تضليلهم".

وحول موقف نقابة الأطباء مؤخرا بتحويل الأطباء الذين اشتركوا فى دراسات الجهاز إلى لجنة التأديب، قال: "قرار جيد، لكنه جاء متأخرا، وما يدهشني أن مجلس الخبراء من العلماء سكت عن هذا الأمر مؤخرا. وأتساءل: إذا ما كانت صحة المصريين لا تهمهم في أي شيء أهم يمكن أن يدافعوا عنه، ويعلنوا موقفهم صراحة منه؟!".

الجيش لم يكرم رواد فضاء

وكشف عن أنه بعد هذا التصريح (الكاشف لحقيقة الجهاز) شعر بأن "وجوده غير مرغوب فيه".

وقال: "لم يكن الأمر مقصورا على جهاز الكفتة، فكانت هناك مشاهد كثيرة صادمة علقت عليها، وتحدثت فيها مع الرئيس، فعندما أرى مثلا أن مؤسسة القوات المسلحة تكرم 3 من الشباب، وتقدمهم للرأي العام على أنهم رواد فضاء مصريون، وسيتم إرسالهم للفضاء في مهمة علمية".

وتابع: "خرج علينا المتحدث العسكري وقتها العقيد أحمد علي معلنا أن الجيش يكرم 3 من رواد الفضاء الذين تدربوا في الجيش المصري، ثم تنكشف القصة، ويتضح أنهم شخصيات قدموا في مسابقة إعلانات لكي يفوزوا برحلة تحاكي رحلة الفضاء فى مدينة ملاه، وقد صدّر المشهد للإعلام على أنه تم تكريم لعلماء فضاء تدربوا فى الجيش المصري، ومنهم الرحالة عمر سمرة، وحجاجوفيتش، فهذا كلام لا يعقل".

وقال: "إن تدريب رواد الفضاء يحتاج لوقت طويل، وليس أسبوعين، لذا لم أعد أحتمل العبث بالعلم والعقول، فامتنعت عن الظهور فى الإعلام بقرار شخصي، لأن المطالبة بالحق لا تكفي للحصول عليه، وأنا لم أكن في معركة مع عبد العاطي، فقد جئت من أمريكا لتحقيق أهداف محددة، تركت عملي فى "ناسا" وبيتي وحياتي لأركز في الملفات العلمية، وتطوير بلدي، وليس لمحاربة شخص استغل ثقة الجميع به".

كائنات فضائية بقصر الاتحادية

وكشف "خبير وكالة ناسا للفضاء" عن أنه عندما وضع على مكتب المستشار عدلي منصور ملفا رسميا كاملا موثقا بكل الأدلة والبراهين يحوي كل آراء العلماء والخبراء والتقارير الدولية، في الجهاز، "فإنه طلب منى أن ننحي الموضوع جانبا، ولا نتحدث فيه، وأن نركز في استراتيجية تطوير التعليم"!

وقال: "كنت أعتقد أن الكائنات الفضائية ليست موجودة إلا في أفلام الخيال العلمي، إلا أنني للأسف شاهدتها عندما أتيت إلى مصر، وتركت ناسا لأجلس في قصر الاتحادية".

وأضاف: "في الفترة التي مكثت فيها في الاتحادية اشتغلت على عدد من الملفات المهمة، وأظن أن أغلبها يستكمله المسؤولون الآن، ومنها استراتيجية تطوير التعليم، وملف مياه نهر النيل، وبالمناسبة لم نتقاض مليما واحدا، وكنت أقطن في أحد الفنادق على حسابي لأنه ليس لدي منزل في القاهرة، وكنت سعيدا لأنني أقدم شيئا لبلدي، لكن أن يتهمني البعض بعد ذلك بالخيانة لأنني قلت إن جهاز عبد العاطي خرافات وخزعبلات هذا ما يحزن بشدة".

وأضاف: "أعمل في قسم الكواكب البعيدة في وكالة ناسا، وهو يعد قسم "صفوة الصفوة" داخل الوكالة، ولكي أن تتخيل أن الفرق في التكنولوجيا الموجودة في مكتبي داخل وكالة ناسا والشارع الذي يقع خلف مكتبي في واشنطن يصل إلى أربعين عاما، فلكِ أن تتخيل ما الفرق التكنولوجي بين مكتبي في ناسا ومكتبي في الاتحادية بمصر، والفرق هنا ليس في التكنولوجيا، وإنما في العقول والأداء".

واختتم حديثه بالقول: "ليدرك الرئيس أن الاستثمار الحقيقي والأهم، يجب أن يكون في عقول المصريين، وأن ينفتح على شعبه، فرغم أن الرئيس السيسي أشار عدة مرات إلى أنه لا يوجد فاصل بينه وبين الشعب، لكني أقول له إنه يوجد فاصل كبير، وإنه يجب أن يكون رئيسا لكل المصريين، فهناك أصوات تخشى أن تتحدث، وتسكن داخل جدار الخوف"، على حد تعبيره.

عربي 21

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -