من بين مليارات الخليج المحلوبة من نظام عبد الفتاح السيسي، خصصت "بعض الفكة" بلغة جنرالات التسريبات، لتخليد اسم العاهل السعودي الراحل، الملك عبد الله بن عبد العزيز، كأسوأ ما يكون التخليد.
شركة الانقلاب اختارت أن تضع اسم خادم الحرمين الشريفين على ميدان "نهضة مصر" الذي تطل عليه جامعة القاهرة، حيث وقعت ثانية أكبر مجازر الانقلاب العسكري، المدعوم من الملك السعودي السابق.
ولم يكتفوا بذلك، إذ قرروا، بعد رحيله، إطلاق اسمه على محور مروري جديد، في محافظة الجيزة، يمر على منطقتي "ناهيا" و"كرداسة" اللتين تعرفان بـ"أرض الإعدامات"، حيث كان نصيبهما وافراً من مئات أحكام الإعدام بحق معارضي الانقلاب، فضلاً عن كونهما معاً يشكلان ساحة للقتل والقمع والتنكيل، تمارس فيها دولة الانقلاب جبروتها ووحشيتها ضد المواطنين بها.
تخيّل نفسك تستقل سيارة، وتمر على ميدان "نهضة مصر" بالجيزة، ثم تنطلق إلى المحور المروري الجديد بطول "ترعة الزمر"، وأنت تطالع صورة الملك عبد الله واسمه، وفي مخيلتك مشاهد الجحيم المصنوع بأموال التسريبات بحق آلاف من المصريين، ولا شك أن تداعي الأفكار سيأخذك إلى سؤال: ماذا ترك الملك عبد الله لمصر؟
كتبت عن زيارة عبد الفتاح السيسي إلى الملك عبد الله، في طائرته الرابضة على أرض مطار القاهرة في يونيو/ حزيران الماضي، مطالباً خادم الحرمين بأن يلقي نظرة أعمق على مصر السيسية الممولة خليجياً. قلت وقتها "إن المصريين كانوا يتمنون لو امتدت زيارة خادم الحرمين الشريفين يوماً، أو بعض يوم، ليصافح القاهرة المتسربلة في رداء فاشي وحشي، وربما أتاح له برنامج الزيارة المرور على ميدانٍ، قررت سلطات الانقلاب أن تطلق اسمه عليه، تكريماً لشخصه، وتقديراً لدعمه اللامحدود للسلطة الجديدة، وهو ميدان "نهضة مصر" أمام جامعة القاهرة، حيث قتلت سلطة الانقلاب، التي يرعاها، 88 مواطناً مصرياً. إذ تقول الأخبار المنشورة عن هذا المكان إن اللواء أشرف شاش، رئيس مدينة الجيزة، وافق على تحويل اسم ميدان النهضة بالجيزة إلى اسم الملك عبد الله بن عبد العزيز، بعد دوره بتقديم مساعدات لمصر، لتعويض منع المعونة الأميركية والاتحاد الأوروبي عن مصر".
هذا الميدان الذي لا يعلم أحد إن كان قد تغيّر مسمّاه ليحمل اسمك بالفعل، أم ما زالوا يبحثون، لا يبعد كثيراً عن اسم شارع شهير، يحمل اسم والدكم المؤسس، الملك عبد العزيز آل سعود. لكن، شتان بين المناسبة التي أطلق فيها اسم الوالد على الشارع، والمناسبة التي قرروا فيها إطلاق اسم جلالتكم على الميدان.. فمناسبة تسمية أكبر شارع بحي المنيل العريق باسم الملك عبد العزيز كانت رغبة الملك فاروق في الاحتفاء بالملك عبد العزيز، حين قدومه إلى مصر لحضور الاجتماع التأسيسي لجامعة الدول العربية في أربعينات القرن الماضي، أما اسم خادم الحرمين الشريفين فقد اختاروا له مكاناً شهد واحدة من أبشع مذابح القمع البوليسي ضد المصريين.. هكذا يريدون تخليد اسمك يا خادم الحرمين".
وأحسب أن السلطات السعودية تحسن صنعاً، إن هي طلبت من حكام مصر الجدد إلغاء تسمية هذه الأماكن الدامية باسم خادم الحرمين الشريفين، إذ لا يعقل أن يبقى اسم الرجل مرتبطاً بمجازر دموية، لن تمحى من ذاكرة التاريخ، وستظل تؤرق الضمير الإنساني، باعتبارها من أسوأ الأحداث والجرائم المرتكبة بحق الشعوب.
تخليد أسماء الراحلين يكون بإطلاق أسمائهم على مساجد وحدائق ومعاهد علم، وليس على ميادين قتل وساحات جرائم ضد الإنسانية، وطرق مؤدية إلى مجازر جماعية.
أنقذوا اسم السعودية، ولقب خادم الحرمين، من هذا العار الحضاري، فالمؤكد أنه مهما تعاقبت السنون، ستبقى ذاكرة الناس مؤرقة بالدماء.. سيختفي اسم الملك، وتبقى رائحة المجزرة.
0 التعليقات:
Post a Comment