تتكالب علينا أزمات السلطوية والتخلف والتطرف والإرهاب فى مصر، وكثيرون منا يرفضون إدراك الترابط العضوى بين متواليات الأزمات الأربعة ويصرون على الفصل بين مسارات مواجهتها فى استعلاء على حقائق التاريخ والجغرافيا وتجرؤ على المعرفة الموضوعية نتحمل كمصريات ومصريين كلفتهما الباهظة يوميا.


قد ينكر بعضنا غياب الديمقراطية، ويروجون لتحولنا التدريجى باتجاهها فى ظل ظروف داخلية وإقليمية قاسية. وربما يدافع بعضنا الآخر عن غياب الديمقراطية بادعاء زائف مفاده عدم أهليتنا لممارستها وبإشارة إلى "خطرها" على تماسك المجتمع والدولة، بينما هم فى الحقيقة إما يبحثون عن البقاء فى مقاعد الحكم ومواقع القرب منه الضامنة للمصالح وللعوائد، أو يرون دون نفاق أو حسابات شخصية ولكن أيضا دون معرفة موضوعية أن مواجهة التخلف والتطرف والإرهاب تستدعى تجاهل مطالب العدل وسيادة القانون وتداول السلطة.


وقد تنكر الأصوات والمجموعات المدافعة عن الديمقراطية غياب بعض مقوماتها الاقتصادية والاجتماعية والفكرية بفعل تغول التخلف والتطرف على مجتمعنا والتعثر المستمر لجهود التنمية المستدامة، وقد تتعامل بعمومية بالغة مع التحديات الأمنية التى تفرضها عصابات الإرهاب على المواطن والمجتمع والدولة ومع الاستنزاف الذى يرتبه إجرامها لجهة مواردنا الخاصة والعامة المحدودة. وقد يرى بعضنا فى الحركة الديمقراطية المصرية أن التغلب على أزمات التخلف والتطرف والإرهاب يمر فقط عبر رفع المظالم وإيقاف الانتهاكات وصون حقوق وحريات الناس، ويتناسى أن للتنمية المستدامة ولتجاوز الفقر والجهل والبطالة وتردى الأوضاع المعيشية ولصناعة الأمل فى حاضر أفضل وغد متقدم الكثير من الشروط الجوهرية الأخرى بجانب التحول الديمقراطى وبجانب إخراج السياسة كنشاط سلمى وحر وتعددى من مواتها الراهن.


لا نجاة لمصر المواطن والمجتمع والدولة، ولا خلاص للوطن من أزمات السلطوية والتخلف والتطرف والإرهاب ومتوالياتها المترابطة عضويا، ولا أمل لنا فى التقدم سوى بالربط بين مسارات مواجهة الأزمات الأربعة على نحو يمكن معه المطالبة بالعدل وسيادة القانون وتداول السلطة وصون الحقوق والحريات وإنقاذنا من تغول السلطة التنفيذية ونزوعها لتقنين الاستثناء وفرض الموات على السياسة دون استخفاف بضرورة إسهام المواطن وفعاليات المجتمع المدنى مع مؤسسات وأجهزة الدولة فى جهود التنمية المستدامة لاحتواء التخلف ومؤشراته الكارثية المحيطة بواقع مجتمعنا فقرا وجهلا وبطالة، ودون الاستعلاء على مقتضيات مواجهة التطرف والإرهاب فى الداخل وفى الجوار الإقليمى بأدوات عسكرية وأمنية ومزيج من الأدوات القانونية والتنموية، ودون تجاهل محدودية مواردنا الخاصة والعامة التى نحتاجها للاضطلاع بكل هذه المهام والأدوار والتى تلزم المسئولية الوطنية منظومة الحكم / السلطة بالامتناع عن إهدارها فى ممارسات وإجراءات قمعية، وتلزم أيضا معارضيها بعدم التورط فى استنفارها بعنتريات الرفض الدائم لكل السياسات الرسمية وبالعجز عن تقديم بدائل واقعية مستندة إلى المعرفة الموضوعية وقابلة للتطبيق لمواجهة أزماتنا الأربعة ومتوالياتها المترابطة.

المسئولية جماعية!
الشروق

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -