نشرت الصفحة الرسمية للدكتور محمد البرادعي عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" أبرز مقتطفات كلمته خلال مؤتمر "حالة الاتحاد الأوروبي" الذي نظمته الجامعة الأوروبية في فلورانس بإيطاليا في أيام 6، 7، 8 و9 مايو 2015.
وقال الدكتور محمد البرادعي خلاله كلمة ألقاها: "تقديرى للربيع العربي إننا إزاء معضلة معقدة وغموض يشوب المستقبل، ومع ذلك لم يكن لدي أى غموض فيما يتعلق بأسباب حدوث الربيع العربي فقد كان السؤال بالنسبة لي متى سيحدث وليس ما إذا كان سيحدث. في القرن الواحد والعشرين لم يكن ممكنا أن يستمر العالم العربي يعانى من القمع والفقر وعدم المساواة، وخاصة في ضوء أدوات التواصل الاجتماعي والمعرفة التي تستخدمها الأجيال الجديدة، والرغبة الملحة للشباب في مستقبل أفضل والذين هم علي استعداد للتضحية بحياتهم من أجله (حوادث الغرق في البحر المتوسط خير مثال). الربيع العربي ليس حدث بل عملية مستمرة وقد مررتم بهذا في أوروبا منذ القرن 16 حتى القرن ال20۔ نحن متأخرون ولكنها نفس العملية التي مرت بها أوروبا: أنظمة قمعية تحكم ضد رغبة شعوبها. في أوروبا كان هناك البابا من ناحية والأنظمة الملكية من ناحية أخرى ولكن في النهاية طالبت الشعوب بأن يبتعد الاثنان وأن تحكم الشعوب نفسها. الثورات تستغرق وقتًا، الثورة الفرنسية علي سبيل المثال كانت ثورة جميلة ولكن جاء في إثرها إرهاب وعنف بل وعودة الملك وأخذت تسعين عامًا حتى تستقر، لا أعتقد أننا سنحـتاج في الشرق الأوسط إلي 90 عامًا، و لكن السؤال المهم هو كيفية إدارة الربيع العربي ليتم التغيير بشكل سلمي وفي فترة اقصر. قناعتي تامة أن الشعوب ستنتصر في النهاية ولكن السؤال المطروح كيف يتم هذا بشكل أقل عنفًا وفي وقت أقصر".
وأضاف: "نحن دائما نتكلم عن أن العالم أصبح قرية واحدة وهذه القرية لها جوانب إيجابية وأخرى سلبية. على سبيل المثال التجارة وتبادل المعرفة والتكنولوجيا من الإيجابيات ولكن العنف والهجرة غير الشرعية من السلبيات. أوروبا يجب أن تسهم في عملية التغيير في بلاد الربيع العربي ليتم بشكل سلمي نحو مستقبل أفضل. رئيس وزراء ايطاليا تحدث قبلي عن أن أوروبا يجب أن تصدر الأكسجين الملىء بالقيم وأنا اوافقه علي هذا . أوروبا لديها القوة الناعمة : الحرية والرخاء و العدالة الاجتماعية و المساواة وغيرها من القيم التي يمكن أن تصدرها للعالم العربي. في الواقع نموذج الاتحاد الاوروبى و الذي يضم 28 دولة هو مثال لكيفية التعايش بين الشعوب بغض النظر عن اختلاف الجنس والدين والعرق واللغة. أوروبا لديها الكثير لتقدمه أكثر من تصدير السلاح (آخر شيء نحتاجه في العالم العربي اليوم هو مزيد من السلاح) أو التقاط القادة الأوروبيين الصور في ميدان التحرير".
وتابع: "لدينا أزمة إدارة في المجتمع الدولي. العالم أصبح أكثر ترابطًا والتحديات التي نواجهها مثل تغير المناخ والإرهاب كلها مخاطر بلا حدود. ومع ذلك فإن المنظمات الدولية التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية لم تتطور لتواكب التغيير وأصبحت تعاني من نقص الصلاحيات والموارد وكذلك فإن الدول مازالت تتبع سياسات قصيرة المدى وقائمة علي أفق ضيق. ما زلنا نتبع نفس السياسات القديمة ونتوقع نتائج مختلفة. وإذا أخذنا مجلس الأمن كمثال سنجد أنه عديم الفاعلية في معظم الوقت، ففي بعض الأحيان تستخدم القوة بالمخالفة لميثاق الأمم المتحدة كما حدث في العراق وعندما تستخدم القوة أحيانًا بتصريح من مجلس الأمن فأنها تستخدم بشكل خاطئ كما حدث في ليبيا. كان التدخل في ليبيا أساسه حماية المدنيين ولكن انتهي الأمر باستعمال القوة من قبل الناتو للتخلص من القذافي وأنصاره دون وجود خطة أو مؤسسات لحكم البلاد بعد التخلص من النظام وهو الأمر الذي أدى إلى حالة الاستقطاب الشديد الذي نراه الآن في ليبيا".
وأردف: "الاستقطاب الذى نراه في ليبيا ,نراه في سوريا وفي اليمن وإلى حد ما في مصر وهي كلها مجتمعات تعاني من أنظمة قمعية منذ خمسة عقود أو أكثر و لذلك فإن إدارة المراحل الانتقالية من الديكتاتورية إلى الديمقراطية هي مسألة صعبة ومعقدة. الديمقراطية كما اقول دائما ليست قهوة سريعة التحضير، فالديمقراطية ثقافة ومؤسسات وتعلم كيفية العمل معًا. لا يمكن لدول الربيع العربي التخلص من الأنظمة القمعية والانتقال الي أنظمة ديمقراطية دون وجود خطط بديلة ومؤسسات، فالناس من السهل أن تتفق على ما لا تريده ولكنهم من الصعب أن يتفقوا على شكل المستقبل لغياب الثقافة والمؤسسات التي يمكن من خلالها التوصل الي توافق وطني . هذه هى القصة الحزينة في دول الربيع العربي. والسؤال هو كيف نتعلم من هذه التجارب المريرة و كيف نتعلم إدارة المراحل الانتقالية. بالطبع يجب أن تدير الشعوب المعنية تلك المراحل الانتقالية لكن يمكن أن يساعدها المجتمع الدولي بما فيه أوروبا في هذا. أوروبا تثق فيها الشعوب في الشرق الأوسط أكثر من ثقتهم بأمريكا وأوروبا لديها علم ودراية بالمنطقة لأسباب تاريخية. لا أحد يريد من أوروبا أن تدير عملية التغيير ولكن يمكنها أن تنير الطريق وتنقل الخبرات. على سبيل المثال الدم الذي سال في أوروبا بسبب الحروب الدينية وغيرها تعلمتم منه في النهاية أنه يجب عليكم أن تعيشوا معًا على الرغم من اختلافاتكم العرقية والدينية وغيرها، كذلك لكم تجارب في عمليات الاصلاح الدينى والنهضة والتنوير. الشعوب في العالم العربي يجب ان تشعر أنكم تحسون بالامهم ومعاناتهم. أنه ليس المال أنه التعاطف الإنساني؛ هذا الشعور مفقود تمامًا في الشرق الأوسط. الشعوب تشعر أن السياسات الغربية مبنية علي مصالح سياسية فقط لا غير ويغيب عنها بعد التضامن الإنساني. في حادثة تشارلي إبدو وقف العالم كله معًا، و في نفس الأسبوع قتلت بوكو حرام 200 شخص، ولم يلقي هذا الحادث الشنيع أي اهتمام. كذلك الأسبوع الماضي غرق 900 شخص بالقرب من سواحل ليبيا في محاولة للهجرة والبحث عن حياة كريمة وبعدها فقط بدأت الاجتماعات الأوروبية الطارئة للنظر في كيفية معالجة تلك الأوضاع غير الإنسانية".
واستطرد: "ليبيا الآن كما هو الحال في كثير من دول الربيع العربي الأخرى، أرض صراع بالوكالة بين ما يطلق عليه الإسلام السياسي بكل أطيافه المختلفة وأصحاب الرؤية المدنية والأنظمة القمعية أو بقاياها، وكل فريق منهم يدعمه آخرون من داخل المنطقة وخارجها ولنهاية لا نعلمها۔ فهناك فراغ أمنى و سياسي و الجميع يسارعون للحصول على المصالح بدون تفكير في التعايش المشترك والشعوب هي التي تدفع الثمن ولذلك ستستمر الفوضى والعنف إلى أن يفهم الناس أنه لا سبيل إلا التعايش معا وإلا سيخسر الجميع . هم في غضب مستمر بسبب الفقر و القمع وعدم المساواة وبالتالي يهرب الجميع إلى هوية خاصة بهم لأنهم فقدوا انتمائهم إلى الدولة وتكون الهوية البديلة المذهب أو العرق أو الدين. بالإضافة إلى أنه هناك شعور عام بالمهانة في العالم العربي نتيجة معاناة الشعب الفلسطيني لمدة تزيد عن ستة عقود. ما نراه الآن في المنطقة حدث مثله الكثير في أوروبا في الماضي و قد نجحت أوروبا في إقصاء فكرة العنف واللجوء إلى الديمقراطية واحترام الكرامة الإنسانية كإطار للعيش المشترك"۔
واستكمل: "أنا ادعم الربيع العربي لأنه طوق النجاة للشرق الأوسط، لأن مستقبل المنطقة يتوقف على نظام مبنى علي الحرية والكرامة الإنسانية، تلك الكرامة الإنسانية التى فقدت على مر أجيال عديدة. في مصر وضعنا أنفسنا علي الطريق الصحيح لكننا تسرعنا في إجراء الانتخابات قبل أن تكون هناك فرصة لشباب الثورة لتنظيم انفسهم وتشكيل أحزاب سياسية تعبر عنهم بعد عقود طويلة من القمع وغياب المجتمع المدني. لقد كان عندنا في مصر تنظيمان كبيران فقط (الإخوان و الجيش). والإخوان دخلوا الانتخابات وفازوا بنزاهة ولكننا وصلنا معهم إلى نظام إقصائي، وهو آخر ما كنا نحتاجه في تلك المرحلة، فنحن كنا بحاجة إلى توافق وطنى يحتوى الجميع. في يوليو 2013 كان علي أن أكون جزءا من المعارضة وهدفي كان التوصل إلى نظام يضم جميع طوائف الشعب الإسلاميين وغيرهم. ما حدث بعد ذلك كان مخالفا تماما لما وافقت عليه كخارطة طريق. ما وافقت عليه: 1. إجراء انتخابات رئاسية مبكرة 2. خروج كريم للسيد محمد مرسى 3. نظام سياسي يشمل الجميع بما فيهم الإخوان المسلمين وغيرهم من الإسلاميين 4. بدء عملية مصالحة وطنية وحوار وطني وحل سلمي للاعتصامات وقد كانت هناك خطة جيدة للبدء في هذا الطريق، ولكن كل هذا ألقي به من النافذة وبدأ العنف، وعندما يكون العنف هو الأسلوب ويغيب عن المجتمع مفهوم العدالة والهيكل الديمقراطي للعمل السياسي فلا مكان لشخص مثلى، ولا يمكن أن أكون مؤثرا".
وأشار خلاله كلمته إلى الشباب، قائلا: "حان الوقت في مصر وباقي المنطقة العربية أن يتقدم الشباب الصفوف، فهم جيل التواصل الاجتماعى الذي له رؤية أفضل في كيفية إدارة العالم من الأجيال التي سبقته. هذا هو الجيل الذي نراه يقود أوروبا الآن فكل السياسيين يتراوح عمرهم بين 30 - 50 عاما . أنا أريد فتح الطريق للأجيال الجديدة الشابة وهذا ما اؤمن به منذ 2011 وإذا سمح لي القدر بلعب دور في المستقبل السياسي لمصر فسيقتصر علي تقديم نصيحة للشباب وخاصة أن عليهم تنظيم أنفسهم والاتفاق علي مطالبهم وتشكيل الأحزاب السياسية واختيار قادتهم منهم، فالمستقبل لهم ومستقبلنا نحن الكبار وراءنا".
وتطرق في جزء من كلمته إلى الحديث عن الصراعات الأمريكية الإيرانية: "كنت اتهم بأني مرن أكثر من اللازم مع إيران أثناء عملي كمدير عام للوكالة الدولية للطاقة الذرية وإذا كانت المرونة هى المفاوضات، والتفاوض على أساس من الاحترام المتبادل، واختيار الحل السياسي طريقا ورفض الحرب فأنا مرن، ولكن المضحك أنه بعد أنه بعد ان تركت منصبى توصلوا الى اتفاق سياسي كنت ادعو إليه على مدار 10 سنوات. أنا سعيد أن أرى هذا الاتفاق و تحدثت مع المعنيين بالأمر من الأوروبيين المشاركين في هذا الاتفاق، الذين وافقوني أنه كان بوسعنا أن نصل لمثل هذا الاتفاق منذ 10 سنوات مضت وبشروط أفضل من المنظور الغربي. الملف الإيراني لم يكن يدار بشكل سليم وأتمنى أن نكون قد تعلمنا من أخطائنا و أتمنى في النهاية أن يكتمل الاتفاق، فنحن في منطقة مشتعلة والاتفاق النووي ليس فقط مهما في حد ذاته، ولكن كنواة لنظام أمن اقليمى يجب ان تكون ايران جزءا منه .انا متفاءل طالما المعتدلون من جميع الأطراف هم من يتخذون القرارات و أشعر بالقلق عندما أرى 47 سيناتور أمريكي يكتبون خطابا الي المرشد الأعلي الايراني يعارضون فيه هذا الاتفاق ويقوضون سلطة الرئيس الأمريكي. المهم هو الوصول لاتفاق بعيد عن حسابات السياسة الداخلية في أمريكا وإيران . عدم التوصل لاتفاق وتداعيات هذا على الأمن والسلم جد خطيرة فالأجواء في الشرق الأوسط تغلي ويحتاج المرء فقط لعود ثقاب لإشعال حرب إقليمية من السهل أن تتحول لحرب عالمية كما حدث في الحرب العالمية الأولى"۔
وعن سوريا، قال: "يقلقني اللجوء بسهولة إلى استخدام القوة مؤخرا في سوريا .. في ليبيا .. في اليمن .. و في أوكرانيا . وبتفسير مطاط لمبدأ الدفاع عن النفس الوارد في ميثاق الأمم المتحدة والذي يحدد بصرامة الحالات التي يجوز فيها استخدام القوة".
وتابع: "نظام الأمن العالمي القائم حاليا علي مبدأ الردع النووي، والذي بمقتضاه توجد حوالي 30 دولة إما لديها سلاح نووي أو في حماية مظلة نووية، وفي نفس الوقت يطالب باقي دول العالم ألا تحصل علي هذا السلاح هو نظام غير عادل وغير مستدام. الحل الوحيد هو إخلاء العالم من السلاح النووي بالكامل قبل ان نجد أنفسنا منقادين لا شعوريا إلى تدمير عالمنا".
واختتم حديثه: "الشرق الأوسط في حاجة لمؤتمر سلام عالمى علي غرار مؤتمر باريس للسلام في أعقاب الحرب العالمية الأولي تطرح فيه جميع قضايا المنطقة والتي هي جميعها مترابطة: القضية الفلسطينية، الحروب الأهلية، الصراعات العرقية والمذهبية، التطرف، الحكم الرشيد وقضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية الخ".
مصر العربية
0 التعليقات:
Post a Comment