المصريون يدفعون ثمن الفساد والإهمال الحكومي
الكارثة متكررة
لم تكن حادثة قارب الوراق، التي راح ضحيتها 33 مصرياً ومصرية بينهم نساء وأطفال، الأولى من نوعها، إذ وثّق "العربي الجديد" عدة حوادث مشابهة، منها حادث في 25 مايو/أيار من عام 1983، أسفرعن مصرع 9 فتيات بعد غرق قارب نزهة نيلية، كن يستقللنه في النيل بمنطقة المعادي جنوب القاهرة، وفي 6 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2011 تعرض 10 أشخاص للغرق في النيل خلال حضورهم حفل زفاف داخل قارب نيلي في مدينة أسوان، جنوبي مصر.
وفي 30 أبريل/نيسان من عام 2011 لقي 30 شخصاً مصرعهم وأصيب 2 آخران في حادث غرق أتوبيس كان على متن إحدى العبارات النيلية، التي اصطدمت برصيف النيل، مما أدى إلى سقوط الأتوبيس في النيل بمحافظة بني سويف. وفي 8 يوليو/تموز من عام 2012 لقي 6 أشخاص مصرعهم جراء غرق قارب نيلي، كان على متنه 19 شخصاً.
وفي 14 ديسمبر/كانون الأول من عام 2014 تعرض 13 مواطناً للوفاة وأصيب 13 آخرون في حادث غرق مركب الصيد، "بدر الإسلام"، بمياه البحر الأحمر. وفي 22 أبريل/نيسان من عام 2015 اصطدمت ناقلة نيلية (صندل) بأحد أعمدة كوبري دندرة العلوي، بمحافظة قنا، مما أدى إلى غرقها في نهر النيل. وفي 21 يوليو/تموز من عام 2015 تمكنت قوات الإنقاذ النهري من نجدة مركب للرحلات على متنه 100 شخص قبل غرقه.
يجمعُ الحوادثَ السابقة ملمح أساسي، إذ اشتكى الناجون وأهالي الضحايا من بطء استجابة وحدات الإنقاذ النهري والبحري، وضعف إمكانياتها الفنية واللوجستية، ومن بين هؤلاء، فرج غريب، أحد أفراد عائلة "أبومصطفى" التي فقدت 8 من أبنائها.
يحمّل فرج قوات الإنقاذ مسؤولية فقدان عائلته بسبب التأخر في إنقاذ "أولادنا في بداية الحادث، إذ سعى الأهالي لإنقاذ الركاب، فيما بدأت فرق الإنقاذ تتحرك، بعد اهتمام الإعلام بالقضية خوفاً على مظهر الحكومة أمام وسائل الإعلام". يتابع غريب قائلا لـ "العربي الجديد" :"انتظرنا وقتاً طويلا حتى وصلت قوات الإنقاذ النهري، التي تكونت من 4 غطاسين فقط".
أجهزة الدولة تتبادل الاتهامات
من المسؤول عن تنظيم سير الحركة في مياه النيل واستخراج تراخيص القوارب النيلية؟ توجهت "العربي الجديد" بهذا السؤال إلى محافظ الجيزة، خالد زكريا، الذي أكد أن المسؤول الأول عن سير الحركة هو وزارة الموارد المائية والري، وليست المحافظة، لكن هذا الاتهام المباشر من قبل المحافظ، تتبرأ منه الوزارة من خلال ممثلها، فتحي الجولي، رئيس مصلحة الري، الذي أكد لـ "العربي الجديد" أن وزارة الري مسؤولة فقط عن إصدار التراخيص لإنشاء مراس نهرية لأية عائمات أو صنادل من خلال لجنة عليا للتراخيص تضم ممثلي 9 وزارات وهيئات معنية.
وأضاف المحافظ: "قمنا بدورنا المتمثل في صرف تعويضات لأهالي الضحايا، وقدرها 10 آلاف جنيه (1500 دولار) من المحافظة، تضاف إلى 10 آلاف جنيه أخرى من وزارة التضامن الاجتماعي. كما سيتم صرف تعويضات للمصابين، ومستقبلا سيتم اتخاذ إجراءات مشددة حيال قوارب التنزه النيلية المخالفة للحمولة القانونية والطاقة الاستيعابية، ومراجعة كافة تراخيص جميع المراكب، والتأكد من عناصر الأمان والاشتراطات الفنية".
قبل أن يصدر رئيس الوزراء المصري، إبراهيم محلب، قرارا بإقالة المهندس، سمير سلامة، رئيس هيئة النقل النهري، من منصبه، حمّل سلامة شرطة المُسطحات المائية المسؤولية، عن عمليات التفتيش على الصنادل والقوارب النيلية التي تعمل ليلاً، قائلا في تصريحات خاصة لـ "العربي الجديد": "عليهم التأكد من حمل الصنادل والقوارب، التصاريح اللازمة للعمل من عدمه، القارب الغارق لم يكن يحمل ترخيصاً للعمل.
في المقابل، يحمل الصندل الذي اصطدم بالقارب ترخيصا بالعمل، إلا أنه من غير المسموح له العمل ليلاً في الفترة الممتدة من 6 مساءً إلى 6 صباحاً، وفقا للترخيص".
وأضاف سمير أن الحمولة العادية للقوارب النيلية تصل إلى 20 شخصاً، حسب ما هو منصوص عليه في تراخيص التشغيل، لكن القوارب تخالف التراخيص، ويصل حجم حمولتها إلى 60 راكبا، كما هي حالة المركب الغارق".
ويعمل في النيل 3 آلاف وحدة نهرية، صدر لها ترخيص من هيئة النقل النهري، غالبيتها وحدات لنقل البضائع، وتعمل في 3خطوط نهرية وهي "القاهرة-الإسكندرية"، "القاهرة-دمياط"، و"القاهرة-أسوان"، وبالعكس.
10 أسباب لتكرار الحوادث
يرى رئيس وحدة بحوث النقل النهري بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري أن السبب الرئيسي لزيادة حوادث القوارب النيلية في الفترة الأخيرة، يرجع إلى عدم حصول القوارب على ترخيص، وعدم تحقيق القوارب العاملة الشروط والمواصفات الفنية المتطلبة، مؤكداً أن المعايير العالمية تلزم كُل قارب بتوفير أطواق نجاة داخله، بما يطابق عدد الركاب، إضافة إلى وجود سترات واقية من الغرق، متوافقة مع عدد الركاب أيضا، ووجود طفايات حريق داخل كل قارب، وإجراء فحص تقنى لموتور القارب، وجسمه الخشبي والمعدني، للتأكد من قدرته على حمل العدد المقرر من الركاب والإبحار بهم في مياه النيل دون مخاطر، وتحديد عدد البحارة والعاملين، ودور كل منهم داخل المركب لضمان تفادي الحوادث، التي تنتج عن عدم كفاءة قائد المركب أو العاملين به كما حدث مع الواقعة الأخيرة.
وأضاف صابر أن الهيئة العامة للنقل النهري هي الجهة المسؤولة عن إصدار التراخيص لكافة القوارب النيلية، وتابع موضحا لـ"العربي الجديد": "إذا أردنا وقف هذه الحوادث، فلا بد من التشديد في إجراءات الترخيص الخاصة بهذه القوارب المخالفة للمواصفات الفنية التي تؤهلها للإبحار، كما لا بد من تفعيل الدور الرقابي الخاص بشرطة النقل والمواصلات، المسؤولة عن تنظيم دوريات مراقبة بشكل مستمر على هذه القوارب خلال فترة عملها، والتأكد من التزامها بالمعايير".
الصندل تابع لوزارة الدفاع
توضح تحقيقات الحادث، التي اطلع عليها كاتب التحقيق، أن "الصندل" الغارق نتيجة الاصطدام مع قارب النزهة النيلية، كان محملا بـ "زهر الحديد" (الحديد الناتج من الأفران العالية ويستخدم لصناعة الحديد الصلب والفولاذ)، ومملوك لشركة النيل الوطنية للنقل النهري.
تتبع كاتب التحقيق أصول ملكية شركة النيل الوطنية للنقل النهري، التابع لها الصندل المخالف، لمواعيد العمل الرسمية المُرخص بها، واكتشف أن الشركة مملوكة لوزارة الدفاع، إذ يوضح الموقع الإلكتروني للشركة "أنه تم تأسيسها بقرار من رئيس الجمهورية بالقانون رقم 117 لسنة 61، وأنه فى عام 2009 انتقلت تبعية "شركة النيل العامة للنقل النهري" إلى جهاز الصناعات والخدمات البحرية بوزارة الدفاع بناءً على عقد بيع بين "الشـركـة القابـضة للنقل البحـري والبـري" و"جهاز الصناعات والخدمات البحرية" تــحــت مـسـمى "شركة النيل الوطنية للنقل النهري".
وسائل السلامة غائبة
من بين 30 قاربا مر بها كاتب التحقيق في منطقة ماسبيرو والتحرير، في وسط القاهرة، وثق خلال جولته، عدم حصول 12قاربا منها على تراخيص عمل، فيما غابت عن 20 منها سترات الإنقاذ وأطواق النجاة، بالمخالفة للمعايير المنصوص عليها في رخصة التشغيل، بينما كان في 10 قوارب فقط، طوقا نجاة لقائدها ومساعده. أما الركاب، الذين قد يصل عددهم إلى 60 فرداً، فلا توجد أية احتياطيات سلامة وأمان لهم.
تبلغ قيمة الجولة النيلية على متن القوارب 5 جنيهات للفرد (قرابة دولار أميركي). خاض كاتب التحقيق إحداها، ووثق غياب احتياطات السلامة والأمان على القارب، (أطواق النجاة وسترات الإنقاذ)، كما رصد وجود تشققات بأرضية القارب، وغياب طفايات الحريق داخله، كما لم يلتزم السائق بالحد الأقصى للحمولة (30 فرداً)، ووصل عدد الركاب إلى 54 راكباً، ولم تعترض المركبة خلال الجولة أية حملة تفتيش أو فرق تابعة لشرطة المُسطحات المائية، بينما واصلت فتاة الرقص على أنغام مسجل القارب، طوال وقت الرحلة التي استمرت 20 دقيقة في قلب النيل.
الحاج أحمد عبدالله، مالك أحد المراكب النيلية الشهيرة المعروفة باسم "عزيزة" في منطقة ماسبيرو، قال لـ "العربي الجديد":"المركبة تقوم بــ 20 رحلة يومية، وعائد كل رحلة يتراوح ما بين 100 إلى 300 جنيه (16 دولارا إلى 72 دولاراً أميركيّاً تقريبا)".
وأكد أن أصحاب القوارب النيلية لا يتقدمون للحصول على الترخيص بسبب المبالغ المالية الطائلة التي يضطر الملاك لدفعها للموظفين في هيئة النقل النهري، ويقول: "في حال حصولك على الرخصة، أنت مضطر إلى دفع مخالفات كل عامين عند تجديد الرخصة بقيمة تصل إلى 3000 جنيه للعام الواحد (400 دولار). أصحاب المراكب قرروا أنهم لن يدفعوا مثل هذه الغرامات، وخلّيها على الله".
العربى الجديد
0 التعليقات:
Post a Comment