مصر في عهد مبارك كانت نموذجا لـــ"الدولة الفاشلة" التي من أبرز سماتها: تغلغل الفساد في كافة مفاصلها..
عندما تسلم المجلس العسكري تراث مبارك في 11 فبراير 2011م، لم يخفف من حجم الفساد، بل زاده وأضاف عليه..
حاول الرئيس مرسي معالجة الفساد بطرق مختلفة، نجح بعضها وأخفق بعضها..
بعد انقلاب يوليو الذي كان في القلب منه رجال الحزب الوطني وإمبراطورية العسكر الاقتصادية، اعتبر هؤلاء أن موسم الحصاد قد بدأ، وأن الفرصة باتت سانحة كما لم يحدث منذ عشرات السنين، لإعادة اقتسام ما تبقى من اقتصاد الدولة..
في خمسة أشهر فقط، تعرضت مصر لعملية غزو غير مسبوقة، في شراستها واتساع نطاقها، ما بين أموال مهربة، ومؤسسات منهوبة، وموارد مغتصبة، ومشروعات تسند للجيش بالأمر المباشر.. إلخ
كما أن الحراك الثوري دفع قادة الانقلاب إلى استمالة مؤسسات القوة في الدولة، بأن فتحوا لهم مجالات أرحب للفساد، ليضعوا كل إمكاناتهم في مواجهة الشرعية..
مصر أصبحت دولة غير قابلة للحكم من أي قوة سياسية تتسم بالوطنية والنزاهة، بل إن تولي الحكم في ظروف كهذه هو عملية انتحار سياسية ..
وهنا نأتي إلى السؤال المهم: ماذا تبقى في مصر -بعد كل ذلك- لشعب مصر؟..
المفترض أن الذي سيتولى الحكم في أي انتخابات قادمة سواء كان حزبا أو أحزابا، سيكون عليه أن يتعامل مع دولة تآكلت مواردها وثرواتها، ومع شعب تعاظمت مطالبه وطموحاته،
وهذه الوضعية المتناقضة من شأنها أن تُسقِط أي قوة سياسية مهما كانت نزاهتها، فكيف والنزاهة مفتقدة في شركاء الانقلاب؟..
الخروج من هذه المعضلة بسيط جدا، وهو محاربة الفساد والقضاء عليه، لكن من يحارب الفساد، إذا كان المتهم به من هم على رأس الانقلاب والدولة؟.
إذن لا مجال للحديث عن محاربة الفساد، وبالتالي لا مجال للحديث عن تلبية مطالب الشعب المتعاظمة، وهذه وصفة سريعة للانهيار لأنه لا أحد مستعد للتنازل عن أنصبته وحصصه التي ابتلعها من ثروة مصر، بل الجميع يطالبون بالمزيد..
كل الطرق تؤدي إلى سقوط الانقلاب، سواء نجحت خارطتهم أو سقطت، لأن الحقيقة التي لا يمكن التغاضي عنها هي أنه لا يمكن لقوة فاسدة تتحكم في المجتمع أن تؤسس نظاما ديمقراطيا يمكن أن يحاسبها يوما على جرائمها، بل إن الهوس سوف ينتابهم وهم يصممون "تحفتهم الديمقراطية " خشية من أن يتركوا –سهوا- ثقوبا تتسلل منها قوى سياسية وطنية تسقط نظامهم..
رغم أن "كل الطرق تؤدي لسقوط الانقلاب" - بإذن الله- فإن الدافع إلى اتباع خيار "إسقاط الانقلاب بالثورة" وليس بــــ "السقوط الذاتي"، هو أن البلد لا تتحمل مزيدا من الفساد، وأن مصر لو سقطت نتيجة حكم الانقلابيين ربما تكون النهاية لــ مصر التي عرفناها ..
0 التعليقات:
Post a Comment