كيف نفتح الصندوق الأسود لحقوق الإنسان؟

حقوق الانسان والخروج من صندوق النسيان

صدر التقرير الذي يتعلق بفض اعتصامي رابعة والنهضة من المجلس القومي لحقوق الإنسان بعد تشكيله من حكومة الانقلاب بعد 3 يوليو، والذي كان يعني إيذانا بضرورة مراجعة تشكيلات هذه المجالات باعتبارها ضمن ما يمكن تسميته بالأذرع الانقلابية سواء كانت تتحكم بالمسارات الإعلامية، أو بتلك المسارات التي تتعلق بصورة حقوق الإنسان وصناعتها، وبدا المجلس القومي لحقوق الإنسان يقوم بأدوار عدة منها ما يتعلق بغسيل أعمال الحكومة القذرة التي تنتهك حقوق الإنسان والمواطن وتحاول تسويغها أو تبريرها وربما إخفائها أو محاولة التزييف والتزيين لكثير من تلك المعلومات في محاولة للتأكيد أن هذه القضية ليست من القضايا المفصلية في أنظمة الاستبداد أو الانقلاب.

ويعبر المجلس القومي لحقوق الإنسان خاصة في طبعته الانقلابية الأخيرة عن تشكيل عناصر غاية في الخطورة حينما يقوم بدوره في ظل هذه المنظومة الانقلابية وفي سياق دوره في صياغة الصندوق الأسود لحقوق الإنسان في مصر، بين النسيان والتزيين والتبرير والاستخفاف بكل أمر يتعلق بحقوق الإنسان أو المواطن صدر ذلك التقرير الذي أشرنا إليه ليرتكب خطايا بل وفضائح غاية في الخطورة، سواء في منهج الاقتراب من هذا الشأن الذي يتعلق بلجان تقصي الحقائق في هذا الشأن وضرورة حياديتها، والاستعانة بالتقارير المختلفة سواء كانت تقارير طبية من القوى الميدانية التي كابدت وعايشت هذا الحدث الأخطر في تاريخ مصر المعاصر.

خاصة أن هذا التقرير للأسف الشديد قد سبقته عند محاولة إعلانه والفراغ منه فترة تعتيم لا يمكننا أن نتعرف ماذا حدث فيها، وماذا حدث لذلك التقرير؛ وهو ما يجعلنا نتشكك في أن ما نشر ليس هو التقرير الكامل فى ضوء تصريحات من بعض الأعضاء أن التقرير الكامل سينشر فى 16 مارس، حول هذا الحدث الجلل (مجزرة رابعة والنهضة)، فضلا عن إمكانيات الحذف لمعلومات أو أحداث وهو أمر حدا بإحدى الصحفيات أن تواجه قيادات هذا المجلس بمحاولتهم إخفاء مواد وبيانات كانت في حوزتهم وكان ذلك الاتهام المباشر بالرؤية الانتقائية من قبلهم حتى يسوغون صناعة واصطناع المشهد بالشكل الذي يريدونه في اطار إضفاء براءة الذمة على ما فعلته تلك المؤسسات الأمنية التي قامت على فض الاعتصامين.

وكذلك فإنه من المهم أن نشير أن لحن القول في هذا التقرير كان كاشفا وفاضحا لكل الأساليب غير المنهجية لتناول هذا الحدث باستخدامهم محاولات لي عنق الحقائق، والاستنتاج الذي لا يترتب على مقدمات، والمحاولات التي يحاولون من خلالها جعل هذا الأمر مسوغا بحيث يؤدي إلى تبرئة من قام بأعمال الفض والقتل والخنق والقنص والحرق، بل إن التقرير بشكل أو بآخر لم يذكر تلك الهيئات بالنص على فعلها، وحاول أن يجعل هذا ضمن إطار يوحي بدفاع هذه القوات عن نفسها في إطار اتهام بالعنف وعدم السلمية والاعتصام المسلح وكل الأمور التي تثبت اتهام في هذه الجهة وتبرأ الجهة الفاعلة في عملية الفض وارتكاب المجازر من كل اتهام.

إن ذلك كله يشير وبشكل مباشر إلى الصندوق الأسود لحقوق الإنسان الذي يسهم في حالة من حالات الاستخفاف أو الإغفال أو الممالأة أو ترويج معلومات منقوصة أو تبيض ساحة الأجهزة الأمنية وغسل بعض هذه الأفعال القذرة حينما يطولها الحساب وحينما تتحرك المنظمات الدولية لحقوق الإنسان لتكشف بعض المستور أو تميط اللثام عن كل ما فعله هؤلاء اللئام؛ ومن الأهمية بمكان أن نؤكد أن هذا التقرير الذي مر بفترة التعمية التي أشرنا إليها كان مصحوبا بأن الرئيس المؤقت هو الذي سيقرر مصير ذلك التقرير أو الإعلان عنه وكأن الأمر لا يتعلق هنا بمفردات الأمن الإنساني الحقيقي وإنما يتعلق بادعاءات غير منضبطة بما يمكن تسميته الإضرار بالأمن القومي الذي لم يعد إلا في ظل هذه الحالة الإنقلابية إلا تعبيرا عن تأمين سلطات الانقلاب تحت هذه الدعوة المطاطة وغير المحددة، بل إن من قام على لجنة تقصي الحقائق ورئاستها قد أشار إلى أن هذه اللجنة قد شكلت لأسباب عدة من بينها القدرة على تجنب وتحاشي الحركة الدولية للمطالبة بتحقيق دولي مستقل في هذا الحدث الجلل"مجزرة رابعة".

وفي سياق الصندوق الأسود لحقوق الإنسان فإن هذا الحدث الذي تعلق بالإعلان عن التقرير ليس إلا كشفا وفضحا لهذا الصندوق ومن يتحكم به، ومن يحتكر الحديث عن هذه الحقوق الإنسانية وما تشير إليه بعض هذه القوى السياسية والمسماة بالمدنية والتي تحتكر الحديث عن حقوق الإنسان بل وتحاول تسويغ هذه الحالة ضمن إطار لا يشتبك بأي حال مع الدولة ولكن يحاول التماهي معها إلا فيما ندر من مؤسسات أو أشخاص، في كل مرة سيقوم هؤلاء بتبييض الوجوه من أعمال سوداء وغسل الأفعال التي تمتهن كل حق لإنسان، وكأن الأمر يتعلق بصناعة قضية تواطؤ بين الأطراف المختلفة ومنظومة السلطة وصارت هذه المنظمات بدلا من أن تحمي حقوق الإنسان بوقا من أبواق السلطان تسوغ وتبرر وتزين وتزيف كل أمر يتعلق بالمواطن والإنسان، هذا التواطؤ امتلك الأدوات والأجهزة وحمل في السياسات ما يشير إلى اختفاء المعايير بل وازدواجها، وبرزت الرؤية الانتقائية للدفاع عن حقوق إنسان دون إنسان بحيث تعبر بذلك عن الصمت أحيانا فيما يجب فيه الكلام والكشف الفاضح والبيان، وليس بفائض الكلام حينما يكون أداة من أدوات السلطان وتبرير أفعاله في الزمان والمكان.

وفي ظل هذا الأمر فإنه يجب ألا نهمل تلك المؤشرات التي تحيلنا إلى عملية اختراق أمني لمؤسسات حقوق الإنسان وإلى هذا التعامل الانتقائي من السلطة مع هذه المنظمات في إطار من التهديد أو التلويح بالتهديد في إطار إكراهها على تسويغ مواقف بعينها في سياق التلويح بسيف التمويل المسلط على هذه المنظمات وتلك المؤسسات فيفتح ملف التمويل الأجنبي حينما شاء ويغلقه متى شاء في إطار يجعل من بناء المواقف والاتجاهات هو همه الأكبر لتبييض وجه السلطة في ملف حقوق الإنسان، بل إن الأمر قد يمتد بالنسبة لبعض هذه المنظمات حينما تشتبك من خلال عمليات التمويل مع أجندات دولية لا نستطيع بأي حال من الأحوال أن ننزهها عن الغرض أو المصلحة ويستغل الذي تعلق بالسلطة دائما هذا الجانب الأضعف في التأثير على هذه المنظمات واتخاذها هذه المواقف بالنسبة لحقوق الإنسان والمواطن.

ومن الأهمية بمكان أن نتحدث عن التشكيل لهذه المجالس من قوى مدنية للأسف الشديد كانت من بين القوى التي ساندت ودعمت الإنقلاب العسكري في مواجهة حكم الرئيس المدني المنتخب وكذلك مواجهة ما أسموه حكم الإخوان، وكذلك فإن هؤلاء يرون أن هذا التأييد للسلطة وأفعالها وانتهاكاتها في حق هذا الفصيل والتيارات الإسلامية إنما يشكل تفكيرا دفينا وتوجها كامنا تعرف أنها لا تستطيع أن تأتي إلى مقاعد السلطة إلا على ظهور الدبابات، تسوغ ذلك بثأر تاريخي بين هذه التكوينات المسماه بالمدنية وبين هذه التيارات التي تمثل مساحات ما يسمى بالحركة الإسلامية أو "الإسلام السياسي؟"، في ظل هذه الرؤية الكامنة تتحرك النوازع التي تؤكد أن هؤلاء ليسوا بالشهود العدل وليس بهؤلاء الذين يوضعون على منصة الحكم على الأحداث أو تقدير النتائج أو تقديم الإدانات لمن يستحق الإدانة وأن يعطى البراءة لمن اتسم بها، ومن العجيب حقا أن هؤلاء ظلوا فترة طويلة إبان حكم الرئيس المخلوع يتحدثون عن ضرورات الإدماج للتيارات الإسلامية في العملية السياسية الديمقراطية، وهم الآن يتحدثون بخطاب الكراهية حينا وخطاب الثأر والانتقام حينا آخر وخطاب الإرهاب والعنف في آحايين كثيرة، إنهم يحاولون أن يسوغوا ظلم مواقفهم وجور آرائهم وزيف تقديراتهم وازدواج معاييرهم ووهم إنسانيتهم حينما يتحدثون عن إنسان دون إنسان ومواطن دون مواطن.

وضمن صناعة التسويغ هذه سيقول البعض إن هذا المجلس يشتمل على بعض ممن يمثلون تلك تيارات إسلامية ولكن هؤلاء يهملون أمرا خطيرا ضمن الصندوق الأسود لحقوق الإنسان حينما يأتي تشكيل ذلك المجلس من قوى مدنية ذات ثأر تاريخي ممتد مع القوى الإسلامية بل وشخوص إسلامية أتت ضمن هذا التشكيل كمكافأة من أهل السلطة حينما ساندوا تلك المنظومة الانقلابية من كل طريق وبكل قوة لسنا في حاجة إلى أن نشير إلى أسماء هنا أو هناك ولكن الأمر أوضح من أن يشار إليه.

فعلى سبيل المثال من الأهمية بمكان أن نشير بصدد تشكيل مجالس حقوق الإنسان أن تتمتع هذه القواعد بالاستقلالية والمهنية وكذلك التمثيل لهذه المؤسسات في هذا المجلس على أن يلحق به إدارات فنية تقوم بالعمل في ملفات بعينها ولا تتعرض لأي تدخل من قبل النظام الحاكم أو أجهزته الأمنية سواء فيما يتعلق بسياساته أو مساراته أو بنجاعة آلياته، بل يمكن كذلك أن تملك هذه المؤسسات تمويلا من هيئات مدنية مصرية يمكن أن تشكل سندا تمويلا يجنبها أي ضغوط بصدد عملية التمويل، كذلك فإن الأمر لابد وأن يتطرق إلى إمكانية إضفاء قدر من الحصانة على عمل هذه المؤسسات والشخوص التي تقوم بالعمل في هذا المجال، ومن المهم كذلك أن يوجد منيمثل هذه المنظمات وكذلك هذا المجلس في كل المساحات التي يظن أن تنتهك فيها حقوق الإنسان أو المواطن مثل أقسام الشرطة والسجون وقِبّل جهات التحقيق والاتهام هذه كلها يمكن أن تشكل مفاتيح مهمة للتعامل مع هذا الصندوق الذي يجب أن يفتح ضمن كل تلك الصناديق السوداء التي تكرس لشبكات الاستبداد مؤسسات الفساد والتي تأكل التنمية والإنسان.

ومن هنا فإن فتح هذا الملف بمناسبة هذه الثورة "ثورة 25 يناير" التي حملت في شعاراتها منظومة حقوق الإنسان والمواطن تعني أن صندوق حقوق الإنسان يجب ألا يقع ضمن معادلة السلطة والسلطان بحيث تتحكم فيها وفيمن يقومون عليها أو يمثلون الحركة الفاعلة لحقوق منظومة الحقوق الإنسانية الأساسية والتأسيسية والسياسية، ذلك أن هذا الأمر لابد وأن يشكل عملا مهنيا عادلا يضع نصب عينيه المواطن والإنسان لا السلطة والنظام والسلطان، وتكون هذه الكوادر خارجة عن دائرة التأثير ومساحات السلطة وساحات الشبهة ،والقدرة على التعامل بجرأة وحرفية لفتح هذا الصندوق بآليات واضحة ومؤثرة يقف من خلفها ظهير شعبي يحمي هذه المؤسسات لتكون بحق مؤسسات لحماية المجمتمع والأمة لا النظام والسلطة.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -