وزارة البترول تتحمل أخطاء "الكهرباء" دون داع
رفع الدعم ضروري.. لكن لابد أن يكون تدريجيا
مساعدات الخليج تخطت 23 مليار دولار في عام، منها 10 مليارات للبترول فقط
مؤتمر شرم الشيخ قاطرة مصر لدفع الاقتصاد
باتت أزمات الطاقة متكررة، والظلام الدامس يهدد مصر في الصيف المقبل، بعدما انتقلت الأزمة إلى فصل الشتاء لأول مرة، ما دفع الدولة للاعتماد على المساعدات الخارجية، خاصة الخليجية منها، طوال الفترة الماضية
ولمواجهة هذه الأزمة، يرى الدكتور أسامة كمال، وزير البترول الأسبق، ضرورة استيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل، كأجراء تكتيكي مؤقت يضمن سعرا مناسبا للمواطن إلى حين عودة اكتشافات الغاز الكبيرة للعمل مرة أخرى
كمال وصف دعم الدولة للخدمات والسلع بالـ "خطأ تاريخيا"، في حوار مع "مصر العربية"، لأنه لم يحقق العدالة الاجتماعية المرجوة، مشيرا إلى أن هذه السلع والخدمات تصل في الغالب إلى غير المستحقين لها
أشار وزير البترول الأسبق إلى أهمية زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الجزائر مؤخرا في ملف علاج أزمة الطاقة، مشددا على أهمية مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي في مارس المقبل بوصفه ركيزة مهمة لجذب استثمارات كبرى وتأسيس صناعات تحويلات توفر الكثير من فرص العمل وتساعد الدولة على الخروج من أزمتها الاقتصادية
وإلى نص الحوار:
ما أسباب أزمة الطاقة التي تعاني منها مصر في الوقت الحالي؟
هناك سببان لأزمات الطاقة المستمرة والمتنوعة في مصر، أولهما عدم الاستخدام الرشيد للطاقة، حيث أن معظم الإنتاج المحلي من البترول، والمقدر بـ 5.1% مليون طن سنويًا، يتم استخدامه في غير أماكنه الصحيحة
65% من الغاز الطبيعي المنتج، و35% من الوقود السائل (مازوت وسولار) يذهبان لمحطات الكهرباء
أما ثاني أسباب الأزمة فهو قلة القدرة المالية ومحدودية الموارد.
ما هو عدد محطات الكهرباء في مصر؟ وما مشاكلها؟
مصر تمتلك نحو 50 محطة لتوليد الكهرباء، بعضها يعمل بالطاقة الشمسية والرياح والغاز وغيرها من مصادر توليد الكهرباء
ومن بينها 23 محطة تعمل بأسلوب الدورة المفتوحة، وهو مايجعل كفاءتها 23% فقط بحد أقصى، وإذا تم تغييرها لطريقة الدورة المغلقة سيتضاعف إنتاجها لتصل كفاءتها إلى 50% وأكثر قليلاً لتنتج ضعف ما تنتجه حاليًا
أما باقي المحطات فتعاني من القدم والهلاك بسبب انعدام الصيانة الدورية.
لكن الغريب هذا العام هو امتداد الأزمة لفصل الشتاء وهو ما لم يعتد عليه المصريون؟
الانفلات الأمني بعد ثورة 25 يناير أدى لزيادة التعديات على الأراضي والبناء عليها، إضافة إلى أن كميات كبيرة من الغاز استخدمت في مصانع الطوب الحراري
كما تم سرقة كميات كبيرة من الوقود لغياب الامن لفترات، وكل ذلك أدى لزيادةغير مستوعبة من الوقود المستخرج والمستورد من الخارج.
هل تؤيد الاعتماد على البترول في توليد الكهرباء ؟
بالطبع لا، فالاعتماد في منتج استراتيجي على البترول فقط سيؤدي إلى خلل كبير حال تأثره تحت أى ظرف، ما يستوجب تعدد مصادر الطاقة، وكان لابد أن يحدث ذلك منذ 10 سنوات أو أكثر لتجنب الأزمة الحالية.
وما هي المصادر البديلة للوقود البترولي؟
الطاقة الشمسية والرياح، وهي ما يطلق عليها الطاقة الخضراء، فما ذنب البترول في تحمل أزمات الكهرباء؟!
مسحوبات وزارة الكهرباء تتجاوز 4 مليار جنيه شهريًا، ولا يسدد غير مليار جنيه منها فقط، والباقي ديون، ومع ذلك استمرت وزارة البترول في دعم الكهرباء حتى وصلت مديونتها الحالية 80 مليار جنيه وهو ما تسبب في محاكمات لمصر دولياً للإخلال بالعقود مع الشركاء الأجانب
وتكاثر الديون يؤدي إلى التوقف عن استخراج الغاز المحلي الرخيص فبديله المستورد ذو 14 دولار أي 4 أضعاف المحلي وكذلك باقي الانواع من الوقود بما يؤثر على المواطنين.
ما هو تأثير اخفاض إنتاج الآبار المصرية من الغاز؟
انخفاض إنتاج الآبار طبيعي نتيجة الفقد المعتاد للغاز، والمشكلة في زيادة الأعباء الملازمة لانخفاض الإنتاج، ما يؤدي للاستيراد غالي الثمن
والحل يتمثل في الاكتشافات الكبيرة والمتوقفة نتيجة عدم دفع الكهرباء لمديوناتها، ووزارة البترول مظلومة في هذه الدائرة المغلقة.
وما هي طرق حل أزمة الطاقة الحالية في تقديرك؟
لابد أن نعامل الطاقة باعتبارها مادة وسيطة وليست مادة نهائية للحرق، واستخدامها في الطرق الصحيحة وعدم إهدارها
ولابد من مشروعات إنتاجية للطاقة، خاصة مصانع ألواح الطاقة الشمسية.
طالما أن الحلول مطروحة.. فلماذا لا يتخذ المسئولون خطوات باتجاه حل الأزمة؟
التنفيذ أصعب من الكلام، ويحتاج إلى تكامل وتواصل بين الوزارات المختلفة، وهو دور المجلس الأعلى للطاقة
التناغم بين قيادات المجلس لا مفر منه للوصول إلى الحل الأمثل والمخرج من الأزمة الحالية.
وما هي "الحلول السريعة" لإنقاذ المواطنين من الظلام في الصيف المقبل؟
هناك حلول سريعة للهروب من ظلام الصيف القادم، منها التخلص من 3000 ميجاوات تستهلكها أعمدة الإنارة بالشوارع، وذلك عبر تكليف شركات الدعاية بتحويلها للعمل بالطاقة الشمسية مقابل وضع الإعلانات عليها
كما أن استبدال لمبات المنازل باللمبات الليد الحديثة يوفر 25% من استهلاك الطاقة الكهربائية.
كيف ترى اتجاه الدولة لرفع الدعم عن المنتجات البترولية؟
الإدارة المصرية وقعت في خطأ تاريخي بدعمها للسلعة لا المواطن، فدعم السلع يصل للقادر أكثر من غير القادر، ويجب أن تتغير الاستراتيجية بطريقة مدروسة وغير مفاجئة
وما الحل في مواجهة سرقة التيار الكهربائي؟
الحل يتمثل في "منظومة آلية" هي الحكم بين الإدارة والمواطنين، فكل شخص يحصل على القدر المناسب خلال كارت خاص
والمثال المطبق في التموين والخبز يعد نجاحا للفكرة ويشجع على تعميمها للقضاء على السوق السوداء، مع ضرورة تقسيم الاستهلاك لشرائح
كما أن استخدام الطاقات البديلة سيقلل من استيراد البترول، ما يقلل الأسعار على المواطنين.
هل ترى في الفحم بديل جيد للطاقة في مصر؟
لكل بديل أضرار، فحتى الدواء له أضراره الجانبية، المهم هو طريقة بناء المحطات، فقد رأيت في الصين محطات فحم تعمل بالدائرة المغلقة، تبنى بالقرب من الموانئ وتدخل بها أنابيب مغلقة حتى تذهب لخزانات محكمة وتنتج الطاقة الكهربية المطلوبة، ولإثبات التحدي جميع العاملون يرتدون "بالطو أبيض" لا يتأثر بأى شوائب.
كيف ترى رفع تسعيرة غاز المنازل بنسبة 140%؟
يمكن أن تكون الزيادة لصالح المواطن لاستخدامها في إصلاح الشبكات العامة وتوصيل الغاز لعدد أكب من المنازل، لكن لا يجب أن تكون الزيادة مفاجئة، بل تدريجية، وبعد توعية الناس بأهميتها وربطها بقدر الأجور المدفوعة، مع ضرورة إحساس المواطنين بالفارق في مستوى الخدمات، والأخذ في الحسبان أن 80% من الدعم يحصل عليه القادرون لا الفقراء.
هل تؤيد طريقة رفع الدعم في مصر؟ أم أنها تحتاج إلى تعديل؟
مصر لم تشهد رفعا للدعم حتى الآن، ومقارنة أسعار الفول بأسعار أنابيب البوتاجاز خلال 30 سنة ماضية تكشف أن سعر البوتاجاز ثابت في حين تضاعف الفول لأكثر من 10 مرات
السوق سوداء تسيطر على الأسعار، ويجب السيطرة عليها عن طريق الكوبون الذكي الذي يقلل دور الوسيط، ويضمن حقوق المواطنين.
ونجاح التجربة في التموين والخبز مطمئنة ومشجعة للتعميم في مجال البترول، ومن يخرج عن التسعيرة يطبق عليه السعر الحقيقي وثمن التكلفة بالكامل، ومقابل هذا الرفع يحصل المواطن على الدعم النقدي كمرتب ثابت يرفع مستوى معيشته، وهي الطريقة الأفضل لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه دون غيرهم.
ما رأيك في استيراد مصر للغاز الطبيعي من إسرائيل؟
شركة "نوبل إينرجي" تنقب عن الغاز على أعماق كبيرة في قبرص وإسرائيل، بمقابل حصة من البترول المستخرج، وتريد التصرف في حصتها لتروجها في الأسواق التي تحتاجها مثل مصر والأردن
والسوق المصري هو الأفضل، كونها تملك محطتي إسالة متوقفتين في دمياط وإدكو، بما يوفر على الشركة بناء محطات إسالة بتكلفة كبيرة، فالعقد بين شركات وليست بين دول كما يعتقد البعض.
وما سبب توقف المحطتين؟
السبب هو عدم توفر الغاز لهما بعد دخوله الشبكة العامة لسد عجز وزارة الكهرباء، ما أثار شكوكا لدى الشركاء الأجانب في إخلال مصر بعقودها وذهابهم للتحكيم الدولي، بما يهدد سمعة مصر الاستثمارية.
وهل الدولة مضطرة للاستيراد ولو من إسرائيل ؟
أيهما أفضل للمواطن.. غاز إسرائيل أم غاز بـ 4 أضعاف السعر؟ المهم هو عدم المساس بالسيادة المصرية على أرضها وأن يكون العقد اقتصادي بحت.
فنحن أمام أمر واقع، إما الاستيراد أو توفير الغاز بسعر لا يقوى عليه المواطن العادي، والعقد على المستوى الاقتصادي مربح للطرفين، فهو يوفر لهم ثمن بناء محطات إسالة الموجوده بالفعل، ويوفر لنا ثمن استيراد الغاز بالسفن، وهو ما يتكلف مبالغ كبيرة لتحويله إلى المحطات ودخوله للشبكة العامة.
إنه أمر تكتيكي ومؤقت لحين إصلاح الشبكة العامة ودفع وزارة الكهرباء لديونها المتأخرة، وإعادة الاكتشافات الجديدة، وحينها نستطيع إنتاج إحتياجاتنا بأنفسنا
هل ترى في زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للجزائر تحولا لوجهة الدولة بعد اعتيادها مساعدات الخليج في مجال الطاقة؟
زيارة الرئيس السيسي للجزائر كانت الأولى له بعد توليه للرئاسة، والهدف منها كان عودة العلاقات لطبيعتها بعد توقفها لفترة بسبب الأحداث السخيفة لمباراة لكرة القدم
وبدأ هذا التوجه بعد ثورة 25 يناير، وذهبت أنا في وفد رسمي، وعندما زرنا قبر الشهيد هناك وضعنا أرضا جيده لعودة العلاقات لقوتها المعتادة وقابله تقبل من الجانب الجزائري، لكن فترة حكم الإخوان المسلمين صاحبت توقفا في استكمال ما بدأ، ليعود الرئيس السيسي لاستكمال الطريق، وعادت العلاقات بكافة أنواعها ومنها التبادل الإقتصادي.
وما أهمية الزيارة لقطاع البترول بشكل خاص؟
تأمين جزء كبير من احتياجاتنا البترولية، فقد كنا نستورد من الجزائر ¾ مليون طن سنويًا ضمن أكثر من 2 مليون طن مستورد من الخارج، أصبحت بعد الزيارة 1.25 مليون طن.
ولا يتبقى في استيراد الغاز من الجزائر سوى الأمور اللوجيستية المصاحبة لأي إتفاق كطرق النقل واسلوب الدفع ومثل هذه الامور
ما حجم المساعدات الخليجية لمصر خلال الفترة الماضية في قطاع البترول؟
من 30 يونيو 2013 إلى 30 يونيو 2014 بلغ حجم المساعدات العربية 23 مليار دولار، كلها منح لا ترد، منها 10 مليار دولار لحل أزمات الطاقة، وتعد هذه المساعدات هي المنقذ لمصر في وقت صعب مرت به ووقفة لا تنسى للدول العربية.
وما هو مستقبل هذه المساعدات في السنوات القادمة؟
يجب تحويلها لاستثمارات لا مساعدات نقدية، لتوفير فرص عمل تحقق نجاحات حقيقية، فبناء مصنع خير من توريد منتج جاهز للاستهلاك، وهو ما تعول عليه الدولة في المؤتمر الإقتصادي القادم.
وما النتائج التي تتوقعها للمؤتمر؟
مصر تتمتع بكم هائل من الثروات لا يوجد في أي دولة أخرى،منها أنواع متعددة من المياه مع طول شواطئ، ومنها الطاقة الشمسية، والمنجنيز، والبترول، والرمال، وكلها تحتاج لرصها بشكل صحيح لتعظيم العائد منها.
ومصر تعول على المؤتمر الاقتصادي ليمول المشروعات التي توفر قفزة قوية لمصر لتصبح ماردا اقتصاديا قوي خلال فترة قصيرة
ونتمنى أن تكون المشروعات تحويلية توفر فرص عمل حقيقية، وليست مولات وسلاسل للسوبر ماركت فقط، بل مصانع كبرى ومزارع تقدم منتجا مصريا خالصا وتعظم القيمة المضافة.
0 التعليقات:
Post a Comment