وزيرة الدفاع الألمانية في تركيا العام الماضي

لا يزال قرار وزيرة الدفاع الألمانية، أورسولا فون ديرلاين، بإنهاء مهام منظومة الدفاع الصاروخية (باتريوت) الألمانية المتواجدة في تركيا ضمن قوات حلف شمال الأطلسي منذ مطلع العام 2013، ومن دون أخذ موافقة البرلمان الألماني، يثير العديد من التساؤلات عن الدلالات والأبعاد التي تقف خلف القرار.

وفي حين لا يزال السبب الأساسي غير معلن رسمياً، عزت معلومات الدافع إلى تعرض المنظومة الألمانية للقرصنة الإلكترونية، فيما رأى آخرون أنه جاء ردّاً على مهاجمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لبرلين، بعدما تبين لأنقرة أن المدعي العام السابق لإسطنبول زكريا أوز، والمطلوب للعدالة في تركيا، قد دخل ألمانيا.

لكن في الوقت نفسه، يرى مراقبون في قرار فون ديرلاين بعداً آخر وهو توجيه رسائل سياسية وأمنية لأنقرة لأسباب عدّة منها، أن المبادئ التي تنص عليها معاهدة حلف شمال الأطلسي تقضي بالتزام الدول الأعضاء بتجنب تعريض السلم والأمن والعدالة الدولية للخطر وتشجيع التشاور والتعاون وحل النزاعات بالطرق السلمية، والامتناع عن أي استخدام للقوة التي تتنافى مع أهداف الأمم المتحدة. وتعتبر برلين أن طريقة تعامل أنقرة مع الأكراد واتخاذها قرار إنهاء عملية السلام، إضافة إلى المواجهة العسكرية التي تخوضها حالياً معهم ومع "داعش"، تضرّ في مكان ما بالمصالح الأمنية الأوروبية. مع العلم أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل كانت قد طالبت رئيس الوزراء التركي بالمحافظة على عملية السلام مع الأكراد رغم كل الصعوبات، بحسب ما جاء على لسان المتحدث باسم الحكومة الألمانية.

بموازاة ذلك، تولدت قناعة لدى الجانب الألماني بأن تركيا لا تحتاج حالياً لأي دعم من قوات الأطلسي، لأن الجيش التركي يعتبر من أقوى الجيوش في المنطقة، والجهات التي يخوض معها المواجهة حالياً لا تمتلك منظومة أو ترسانة من الأسلحة تشكل خطراً عليه.

إضافة إلى ذلك، فإنّه من المعروف أنّ برلين تولي الأكراد الكثير من الالتزام والتضامن وتقوم بتسليحهم وتدريبهم، ما من شأنه تعريض مصداقيتها وتوجهاتها السياسية للنقد، بعدما تبين لها أن لدى أنقرة خطة مزدوجة تقضي بضرب تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وحزب "العمال الكردستاني" معاً، ما من شأنه أن يوحي أنها توافق تركيا على مخططاتها، إضافة الى إمكانية تعرضها لخسائر اقتصادية من صفقات الأسلحة مع الأكراد في شمال العراق.


وفي حين قد تؤدي سياسة تركيا إلى إضعاف القوات البرية الكردية التي تشارك في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، على الرغم من أن الأكراد أثبتوا أنهم أكثر من واجه وحقق تقدماً ميدانياً في مواجهة "داعش"، ولذا يفضل التحالف الغربي تعزيز القوة الأكثر فاعلية في محاربة التنظيم وهي القوات الكردية. وبطبيعة الحال، يقلق هذا الأمر أنقرة، التي باتت تخشى من تمدّد القوة الكردية، ومن إمكانية خلق مربع لها يوفر لها جانباً من الحركة في الجنوب التركي، ما يمكن أن يشكل خط إمداد لوجستي لدعم حزب "العمال الكردستاني".

من جهة ثانية، فإن ما يهم ألمانيا في ظل هذه الأوضاع هو زيادة الاحتياطات الأمنية لبلادها وجنودها المتواجدين على الأراضي التركية، خصوصاً أن المهمة التي يقومون بها لا تتمتع بأي قيمة عسكرية، إنما تضامنية مع حلف شمالي الأطلسي.

ولا يغفل المراقبون أن هناك خشية من أن تخضع حكومة ألمانيا للمساءلة في حال تعرض جنودها للخطر، وبالتالي من الممكن أن تتسبب بأزمة داخلية هي بغنى عنها في الوقت الحاضر، مع الإشارة إلى أن قرار الانسحاب كان محل ترحيب أعضاء البرلمان الألماني من الائتلاف والمعارضة.

تبقى الإشارة إلى أن هناك وجهة نظر تقول إن أردوغان يريد استغلال الدعم الدولي لمواجهة "داعش" في معالجة أزمته الداخلية، وتعويض الخسائر التي تعرض لها حزبه في الانتخابات، ويسعى لإعادة شد عصب جمهور حزب "العدالة والتنمية" بعد الفشل في التوصل إلى تفاهم على تشكيل الحكومة والتوجه لانتخابات تشريعية مبكرة.

من جهة ثانية، بدا واضحاً التحوّل في الموقف التركي بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني، في ظل التوقعات التي تشير إلى أنه سيكون لإيران دور أكبر في المنطقة، وربما ذلك على حساب أنقرة، مع تزايد الاحتمالات بحصول تسويات في منطقة الشرق الأوسط.

وكان وزير الخارجية الألمانية فرانك فالترشتاينماير، قد أكد في مقابلة مع صحيفة "بيلد أم زونتاغ" الأحد الماضي، أن برلين ستبقى ملتزمة تجاه تركيا، وأن هذا الالتزام يتمثل بالجهود التي تبذلها الحكومة الألمانية من أجل التوصل لحل سياسي للأزمة السورية، وتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والأدنى من خلال عمليات التدريب التي يقوم بها الجيش الألماني في شمال العراق.

العربى الجديد

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -