إذا كنت على صلة بالشأن العام في مصر ويهاجمك الإخوان والفلول في نفس الوقت وعلى نفس الموقف، فاعلم أنك على الحق وأن مكانك من الثورة هو المكان الصحيح، تلخص هذه العبارة الحالة السياسية البائسة في مصر التي يتوحد فيها الإخوان وأنصار الثورة المضادة في طريقة التعامل مع الأخبار والمعلومات والاستنتاجات التي تتبعها والتي تدخل في منطقة المؤامرات والتفسيرات الجهنمية، التي تليق بأناس فقدوا عقولهم تمامًا وهجروا نعمة التفكير ونبذوا إمعان النظر، ليتحولوا إلى أبواق تردد أي كلام دون تدقيق أو تمحيص.
امتطى الفلول ومؤيدو السلطة موجة الهجوم على البرادعي ووائل غنيم بعد كلمة ألقاها البرادعي في جامعة هارفارد، وبعد اجتزاء مقطع فيديو صغير من كلمة لوائل غنيم في فعالية أقامتها شركة عالمية كبرى حول تجارب النجاح، اعتبر الإخوان ومؤيدوهم أن وائل غنيم والبرادعي يقفزان من سفينة الانقلاب الغارقة على حد وصف البوابة الإلكترونية للحرية والعدالة، وكتب بعضهم مقالات نارية يرفض فيها عودتهم للمشهد السياسي ويصف ظهورهم بالقفز على الثورة الإسلامية القادمة، التي يبدو نجاحها في الأفق قريبًا، على حد وصفهم!
أما طبالو السلطة، فاعتبروا أن توقيت ظهور الاثنين هو دعم للإخوان وحشد للثورة الإسلامية المزعومة في 28 نوفمبر، وقال بعض الإعلاميين المخبرين إن “هذه توجيهات التنظيم الدولي للإخوان لهما لبعث الحراك من جديد وإنهاك النظام والتغطية على نجاحاته المستمرة”!
نحن بالفعل نعيش في مستشفى للأمراض العقلية ويجب أن نعترف بهذا ولا نخجل، وطريقة تعاملنا مع الأخبار وما يتبعها من استنتاجات تشير للوحل الإنساني والفكري الذي سقطنا فيه، أنقل ما كتبه الصديق الصحفي محمد معوض المقيم بواشنطن حول هذه الضجة: (ألف باء الصحافة، معلومة، سياق، وخبر دقيق، أي حديث ينزع منه سمة من هذه السمات يعني أن من يقدم لك المحتوى يحاول أن “يأكل عيش” من وراءك وفي النهاية المتضرر الوحيد “أنت”، ستظل تعيش في دوائر مفرغة لن تؤدي بك للطريق الصحيح ببساطة؛ لأنك حصل معاك mislead، يعني تم تضليلك والذهاب بك لاستنتاجات وقراءات مبنية على معلومات خاطئة، وإليك مثالان:
- عودة وائل غنيم وتصريحاته النارية
هذا هو الخبر الذي باعوه لك ، لتتحدث أنت عن السبب والتوقيت وكلامه. للأسف حدث لك mislead.
أولًا: “وائل غنيم دعي للحديث عن تجربته في مؤتمر أعلن عنه قبل عدة أشهر، المؤتمر تنظمه شركة عاملة في ريادة الأعمال، اسمها fusion، شغالة على دعم الحراك الشبابي وتوجيهه بشكل يثمر في تغيير اجتماعي، عبر مبادرة اسمها rise up، والمؤتمر عقد على بعد أمتار من بيتي في واشنطن.
ثانيًا: وائل لم يعلق أو يتحدث عن الوضع في مصر، كان بحسب جدول أعمال المؤتمر يتحدث عن قصته storytelling stage، منصة الحكي عن التجارب، وفي الفيديو الذي تم نشره، كان يتحدث عن خلاصة ما استنتجه من تجربته.
ثالثًا: بعد الضجة التي حدثت، وائل طلب من fusion منظمي المؤتمر إزالة الفيديوهات الخاصة بكلمته، والتي نشروها على غير رغبته، وقاموا بذلك بناء على طلبه.
معلومات المؤتمر.
فيديوهات وائل وقد تم حذفها.
- عودة البرادعي، والقفز من الأتوبيس والمركب
اولًا: البرادعي أستاذ محاضر في واحدة من الجامعات الأمريكية tufts، ويحاضر عن الأمن العالمي، وحتى الآن حاضر خمس مرات.
ثانيًا: مناسبة محاضرة العام التي في أغلب الكليات العريقة في أمريكا يُختار لها شخصية ما قبلها بعام تقريبًا، والاختيار في هارفارد، كلية السياسة العامة، وقع على البرادعي وإعلان المحاضرة بدأ قبلها بأشهر بالفعل.
ثالثًا: البرادعي تحدث عن الأمان النووي وضرورة خلق نظام أمن عالمي غير قائم على الأسلحة النووية، وفي آخر المحاضرة هناك مجال للأسئلة وبالطبع سألوه عن مصر، فأجاب بتحفظ شديد وتحدث بكلام عام جدًا، وهذا يعني أن:
- كلاهما لا يريد الظهور أو العودة ولا غيره.
- حديث كليهما توقيته مصادفة بحتة، وهو حدث معلن عنه قبله بشهور.
- أسوأ شيء أن يسمح الإنسان لنفسه بأن يكون رد فعل، أن تكون أدبيات صناعة النصر والنجاح عنده على أساس انتظار ما لا يأتي وحده! لحظة السر الأعظم والضوء في نهاية النفق! كلمتين يقالوا هنا أو هناك بدون ترتيب ربما، يتحول بالنسبه له مقدمة لسياقات خيالية ستنتهي عنده بنصر مبين وفتح عظيم! كمن ينتظر أن يسقط التمثال بعاصفة شتوية! الذهاب وراء التفسيرات المبالغ فيها يعني بالضرورة أن هذا الشخص يعيش وهم استدعاء ما لا يحتمل حدوثه أو افتراض الأصعب لتجنب الممكن؛ ببساطة لأنه لا يملك الحيلة! كل سياقات التعليقات في أيامنا هذه ملخصها كذلك!).
انتهى تعليق معوض وسرده للأحداث الحقيقية، وبقي الموقف شاهدًا على مدى البؤس والخواء الذى نعيشه، ولكن يجب أن ينتبه الإسلاميون إلى أن استمرار المزايدة على كل الثوار الذين يعارضونهم وشاركوا في تظاهرات 30 يونيو وعارضوا ما بعدها وأخذوا موقفًا حاسمًا ضد الاستبداد، ليس في صالح الإسلاميين الذين ينسون دومًا أنهم السبب الرئيس لانتكاسة الثورة بتحالفهم مع المجلس العسكرى منذ استفتاء مارس المشؤوم، وما اقترفوه بعد ذلك في تجربة البرلمان والرئاسة من كوارث قادت لتمكين الثورة المضادة، أما أبواق الثورة المضادة فعليهم أن يدركوا أن أي ثورة قادمة لن يصنعها شخص ولا أشخاص، وأن الخطر الأكبر على سلطتهم هو استمرار الفشل الحالي وتفاقم الأزمات التي لا ينجح التطبيل والنفاق والأكاذيب في تجميل قبحها.
أما من تبقى لديهم بعض العقل، فليتمسكوا به وليحذروا أن يجرفهم التيار ليتحولوا إلى نزلاء بمستشفى الأمراض العقلية، التي تحاصرهم من كل مكان.
0 التعليقات:
Post a Comment